عناصر المجتمع الأندلسي تنوع وتداخل لمحات من التعايش السلمي في الأندلس

Abstract

لقد حملت عملية التعايش في شبه الجزيرة الإيبيرية ( الاندلس ) ـ اسبانيا والبرتغال حالياً ـ ديناميكية لم تكن لتعرف السكون و الجمود، يعطي فيها الإنسان و يأخذ، ومن حسن حظ الأندلس أيضا أن تكون أسس هذا البناء مختلفة الألوان متعددة السمات، وأن تكون مشاربها مختلفة المنابع متعددة الروافد. فتحمل الأندلسيون على اختلاف أصولهم وعقائدهم، مسئوليات تدبير أمور الحكم، وتلاقوا في مجلس العلم، معلمين ومتعلمين. وكتبوا فيما هو عام يحدوهم حب العلم ويسعون إلى نشر آثاره، أو فيما هو خاص، ينورون به عقول ذوي المعتقد ويهدونهم السبيل كل في نحلته وباختصار نسجوا هذا النسج الحضاري المختلف الألوان المتجانس المنسجم التركيبة المتكامل. إنها مشاركة امحت فيها الخصوصيات الدينية والعرقية، وتوارت فيها الأنانية العصبية زمنا كان كافيا لبناء مجتمع يعتبر بحق، بما صنعه في العلم والرجال، المثال الذي يجب أن نضعه دوما نصب أعيننا. لقد حاول المسلمون الفاتحون لشبه الجزيرة الإيبيريّة تطبيق تعاليم الإسلام فيما يخصّ أهل الذمّة بكلّ أمانة وصدق. وتمكّن النصارى واليهود من المحافظة على أملاكهم وتمتّعوا بحرّيتهم الدّينيّة . ولتأكيد هذه الفرضية، تسعى هذه الدراسة لإعطاء صور متعددة عن التعايش الذي ساد بين مختلف الإثنيات العرقية والديانات المتنوعة بالأندلس، مدعمة بالحجج والقرائن. فالإسلام بصفته خاتم الرسالات السماوية لم يأت لمحاربة الرسالتين السابقتين:اليهودية والمسيحية ، وإنما لاستكمالهما ، والإيمان به يقتضي الإيمان برسالتي موسى والمسيح عليهما الصلاة والسلام ،وبالكتابين المنزلين عليهما ،وكذلك بمن سبقهما من الرسل،ولهذا فقد أصبح لمعتنقي هاتين الديانتين ممن دعاهم الإسلام "أهل الكتاب "مكانة متميزة في داخل المجتمع الإسلامي ،ووضع مختلف عن وضع المشركين أو الوثنيين .ولما كانت رسالة الإسلام موجهة للإنسانية كافة فقد كان على حامل هذه الرسالة أن يعمل على نشرها بالطرق السلمية  من منطلق المبدأ الذي يدعو إلى أن العقيدة لاتفرض فرضا : لا إكراه في الدين .ولذلك قسمت هذه الدراسة بمتمهيد ووقفة تأريخية على تأريخ اسبانيا وعلى محاور ثلاث هي : التعايش السلمي الاجتماعي ، ومن ثم حرية الاعتقاد ، واخيراً حرية الفكر ، ثم ختمت الدراسة بما توصلنا اليه من نتيجة ذلك التعايش في فردوسنا المفقود.